شارلوت كوتون:
شكّل عملَك وكتاباتك نوراً مرشداً للكثيرين، ومن بينهم أنا، للاختبار والتفكير في ما يمكن أن يعنيه التصوير الفوتوغرافي وما يمكن أن يقوم به في القرن الواحد والعشرين، في مرحلة من مراحله الأكثر تقلّباً. هل تذكر دوافعك للعمل مع وسيط جديد للعودة في أواسط العقد الأول من القرن وهل تعتقد أنّ مقاربتك وتحقيقاتك تغيّت (مثلما تغيّ سياق الصورة) منذ تلك الآونة؟
لوكاس بلالوك:
بحلول الوقت الذي رحت أستعمل فيه فوتوشوب كجزء بديهي من الصور التي كنت أبتكرها، كنت قد سبق أن بدأت باستعماله كغرفة مظلمة بديلة منذ عدّة سنوات. فكنت أعيش في جنوب الولايات المتّحدة ولم يكن لديّ قدرة وصول إلى غرف مظلمة تقليدية، لذا كنت أتفحّص أفلامي وأنظر إلى أعمالي من خلال الشاشة. وفي تلك الحقبة، كنت من فترة إلى أخرى أنجز كلّ الأمور الإيمائية باستخدام فوتوشوب، لكنّني لم أتمكّن من استيعاب الطريقة التي يرتبط بها بالعمل الذي كنت أنجزه. كان باستطاعتي القيام بأمور يهمّني النظر إليها لكن لم أستوعب الطريقة التي يمكن أن تتحوّل فيها. وأعتقد أنّ الأمور اتّضحت في العام ٢٠٠٩ عندما قرأت "Brecht On Theater: The Development of An Aesthetic" لبيرتهولت بريخت (Bertholt Brecht) وبدأت أرى فوتوشوب كنوع من العمل الشخصي الذي يمكنني أن أظهره إلى العلن وفي الصور. لكنّ هذا ليس سوى جزء من الحكاية طبعاً. قسم كبير من الفنون التي تأثّرت بها ليس فناً فوتوغرافياً، وأتاحت لي إعادة التصوّر هذه مساحة أوسع بكثير لاستكشاف نوع أكثر انعكاسية وتأليفية من الصوركان قادراً على مخاطبة الأمور التي كنت أسعى إليها.
شارلوت كوتون:
أعتقد أيضاً أنّك توجّه الفرص الدائمة التي يقدّمها التصويرالفوتوغرافي كوسيط، وهذا أمر تناقضي وتمييزي. فعنوان المعرض “التصويرالتجريبي” (Experimental Photography) يخاطب قصداً الامتياز الإبداعي الذي تطرحه أنت والفنانون الآخرون المشاركون في بيئة الصورة الرقمية المعاصرة التي نعيش فيها ويخاطب أيضاً “جوهر” التصويرالفوتوغرافي وأرضيّته. فكيف تصف علاقتك بتاريخ التصوير الفوتوغرافي، وكيف تتماثل معه؟
لوكاس بلالوك:
التصوير الفوتوغرافي تناقضي بلا شكّ، لكنّ هذه التناقضات تتحوّل إلى علاقات منطقية تجعل الكتابة عن التصوير الفوتوغرافي أو الكلام عليه خشبياً ومتحذلقاً. فنحن نعلم هذه الأمور أصلاً، ومع ذلك، اللغة التي نستعملها في عالم التصوير لا تدعم هذا الغموض كلّه. مثلاً، تمثّل صورة حياة جامدة أغراضاً ما عادت موجودة. فتجعل موضوع التصوير حاضراً لكنّها تُبرز أيضاً غياب هذا الموضوع، فيصبح حديثنا كلاماً عن أمر ما عاد موجوداً. نحن نعرف ذلك طبعاً، لكن عندما نمارس التصوير الفوتوغرافي، تغرق هذه العلاقات التي تجمع وتفصل وتقصي في إطار عمل ترميزي لا يفسح مجالاً كبيراً لاستكشاف الترجمات التي تجري في الصورة. فنرى صورة تفاحة ويتبادر إلى ذهننا كلمة تفاحة على الفور.
يتمحور اهتمامي بتاريخ التصوير الفوتوغرافي نوعاً ما حول خطّ من الأفكار ظهر في المجال السوريالي. فقد اهتم السورياليون بصور يوجين أتغيت، واهتمّوا أيضاً بتجارب الغرفة المظلمة التي أجراها مان راب ودورا مار وغيرهما. لكن على الجهتين، يبدو لي أنّهم اهتمّوا بالوضعية الزائفة التي يتّسم بها التصوير الفوتوغرافي، أي صورة معقّدة وصناعية وذاتية للعالم التي يتم إبرازه كواقع بسيط. أما عملي، فمن خلال إتاحة المجال للجهد والفكاهة والغرابة، هو يسأل المشاهد أن يُبقي في عقله مجالين مختلفين في الوقت عينه: الصورة المترجمة والعالم الذي يسبق الترجمة والذي يقع أمام عدستي. أعتقد أن هذا “التغريب” يفتح المجال أمام التصوير الفوتوغرافي ليغدو نوعا من التعرّض للمشاهدة في خلال المشاهدة. يمكن النظر إلى المسألة بالطريقة ذاتها التي يفتح فيها الشعر اللغة المكتوبة لتتعرّض للمشاهدة بحدّ ذاتها، وأعتقد فعلاً أنّ هذا الأمر شغل بال الكثيرين من الذين يفكّرون في التصوير الفوتوغرافي منذ ولادة الوسيط.