None
مقابلة

تصوير فوتوغرافي تجريبي: فاليري غرين

أجرت شارلوت كوتون مقابلة مع فاليري غرين بالتزامن مع معرض تصوير ٢٠٢١ تصوير فوتوغرافي تجريبي.

المشاركة مع صديق

شارلوت كوتون:

أذكر بوضوح أوّل معرض لسلسلة ”Screen Cleaner“ (منظّف الشاشة) التي ابتكرتها، في لوس أنجلوس. وكان ذلك في ربيع العام ٢٠٠٦ ، بعد ستّة أشهر تقريباً من نشر دار "أبيرتشور" (Aperture) كتابي”Photography is Magic” ، وانزعجت كثيراً لأنّ فرصة إضافة عملك في كتابي فاتتني. أقدّر الطريقة التي تأخذين فيها الناظر مباشرة إلى مكان الإمكانات البصرية اللامتناهية حيث يلتقي التصوير الفوتوغرافي والتجريد والاختبار معاً. هلّ تخبرينني كيف وُلد هذا المشروع، فمن أين كانت انطلاقتك من ناحية ممارستك وصولاً إلى هذه النقطة؟

فاليري غرين:

أشكرك شكراً جزيلاً لدعوتي لكي أكون جزءاً من معرض "التصوير التجريبي"(Experimental Photography) في مهرجان قطر للصورة: تصوير للعام ٢٠٢١. يطيب لي التفكير في أنّ عملي يكمن في مجالٍ يلتقي فيه الافتراضي بالملموس. بدأت أصوّر سلسلة “منظّف الشاشة” في العام ٢٠١٣ عندما كنت أستعمل رذاذاً لتنظيف شاشة الكمبيوتر. فعشت لحظة مفصلية أصبحتُ فيها مدركة فعلاً للطريقة التي تصبح فيها حبيباتُ السائل عدسات صغيرةً على الشاشة، فتكسر الضوء الأحمر والأخضر والأزرق لتُبرز طيف الألوان بكامله. وبعد فترة من التجربة واللعب، تحوّلت هذه الخطوة العادية إلى الأعمال المعروضة في هذا المهرجان.

شارلوت كوتون:

هل كنتِ تستعملين منصّات رقمية كمواد ومجالٍ ضمن عملك قبلاً؟

فاليري غرين:

أجل، كنت وما زلت آخذ مجال الشاشة الرقمية بعين الاعتبار في أعمالي منذ فترة. في مجموعة أعمالي السابقة التي تحمل عنوان "انظر إلى الأعلى"(Look Up) كنت أتسلّ في طريقة عمل الأجهزة المتحرّكة كامتداد لنطاقنا وتقسيم لرؤيتنا على حدّ سواء. لقد بدأت الأغراض الفوتوغرافية من سلسلة “انظر إلى الأعلى” باندفاعة للصق شريط حماية الشاشة على فتحة السقف الزجاجية في سيّارتي. فكانت الصور الناتجة عن ذلك التي التقطتها بواسطة هاتفي تصويراً لسنة كاملة لسماء لوس أنجلوس من داخل سيارتي. وتب يّ هذه الصور المجال أمام الزجاج وعليه مباشرة وبعده. ولجأت إلى الرسم بالبخّ يدوياً لتوسيع السماء حول الإطار، مما يسمح له بالامتزاج بالصورة والبروز كحاجز على حدّ سواء. وأدوات التأطير المتعددة في هذه الأعمال تعمل في الوقت عينه كعملية ضغط وإزالة ضغط للمجال الثلاثي الأبعاد ومجال الصورة والمجال الافتراضي.

شارلوت كوتون:

يعطينا ذلك نحن المشاهدين موقعاً متميّاً غير متوقّع. فنحن في الوقت عينه تحت هذا المجال “الافتراضي” الذي تعملين فيه وداخله وإزاءه.

فاليري غرين:

فيما تنظر سلسلة “انظر إلى الأعلى” إلى العالم من داخل الجهاز، تقلب مجموعة “منظّف الشاشة” الكاميرا وكأنّ الشاشة تنظر إلى نفسها في المرآة وهي تغسل وجهها، وكأنّها تلتقط صورة ذاتية قريبة!

شارلوت كوتون:

تشكّل شاشات أجهزتك الرقمية إحدى المواد الأساسية التي تستعملينها، أي أنّها “أدوات” عملك الفوتوغرافي وحياتك اليومية. فتستخدمين الأجهزة العادية التقليدية التي يستعملها الكثيرون منّا باستمرار، وهذا بالنسبة إليّ جزء أساسي من معنى صورك والمتعة التي تعطيها. فهي تولّد نقطة دخول إلى أعمالك، وفي ذلك إقرار بأنّ صنع الصور نشاطٌ جماعي ومنتشر، وأظنّ أنّ ذلك خيار ناشط من جهتك. أيمكنك أن تخبريني عن عملية إنتاج سلسلة “منظّف الشاشة” وما الذي كنتِ تختارينه من بين مجموعة كبيرة من الإمكانات لالتقاط صور ضمن هذه العملية؟

فاليري غرين:

كنت أنظّف آثار البصمات على شاشة الكمبيوتر عندما تنبّهت إلى الإمكانات البصرية التي يتيحها السائل على الشاشة الرقمية. فبدأت أولي انتباهاً للحظات التي يصبح فيها هاتفي مبللاً وكيفية تفاعل السائل مع الصورة تحته. وتوصّلت إلى سلسلة “منظّف الشاشة” عبر تصوير شاشات أجهزتي المختلفة. ويبدأ الأمر ببساطة مع رشّ سائل على صورة رمادية، علماً أنّ اللون كلّه صادر من الشاشة بحدّ ذاتها. وبعد عملية متكرّرة من الرشّ والتصوير والتكبير والتقاط صور للشاشة ثمّ الرشّ والطبع وإعادة التصوير وهكذا دواليك... تكتسب الصور شكلها النهائي كمطبوعات بتبخير الصباغ مباشرة على الألمنيوم من دون اللجوء إلى ورق الصور الفوتوغرافية. فتبقى الصور على هذا السطح.

فالتصوير الفوتوغرافي منذ ظهوره يتلاعب بفكرة ما هو “حقيقي” ، وأعتقد أنّ أعمالي تتابع هذا التقليد من خلال تنقّلي بين الافتراضي والملموس.

– فاليري غرين

شارلوت كوتون:

بالإضافة إلى الإحساس بأنّك تعثرين على مصدر غنيّ لعملك الإبداعي في التقنيات الجديدة عندما تبتعدين عن إعداداتها الافتراضية، أعتقد أيضاً أنّك توجّهين الإمكانات الدائمة التي قدّمها التصوير الفوتوغرافي كوسيط منذ ظهوره في أوائل القرن التاسع عشر، وأنّ التصوير بالتحديد وسيط للتجارب. ويحاكي عنوان هذا المعرض “التصوير التجريبي“ (Experimental Photography) عمداً الحرية الإبداعية التي تضيفينها أنت والفنانون الآخرون المشاركون إلى بيئة الصورة الرقمية المعاصرة وأيضاً “جوهر” التصوير الفوتوغرافي ومجال المصادفة والأخطاء التي أغنت باستمرار التصوير الفوتوغرافي التناظري. كيف تصفين علاقتك بتاريخ الوسائط؟ وكيف تتماهَين معه؟

فاليري غرين:

عشت طفولة تناظرية ومراهقة رقمية. فقد نضجت في زمن كانت ما زالت الثورة الرقمية فيه في بداياتها. ويمكن قول الأمر عينه عن دراستي الفوتوغرافية، التي كانت في جزء كبير منها تناظرية، مع القليل من التصويرالفوتوغرافي الرقمي في نهاية الدراسة. وكان لذلك تأثير كبير من دون شكّ على الأعمال التي أقوم بها. فالتصوير الفوتوغرافي منذ ظهوره يتلاعب بفكرة ما هو “حقيقي” ، وأعتقد أنّ أعمالي تتابع هذا التقليد من خلال تنقّلي بين الافتراضي والملموس. ومع أنّ عملي يبدو مختلفاً بعض الشيء عن التصوير التناظري الذي أتى قبله، ما زال مجال المصادفة قائماً في بيئتنا الرقمية المعاصرة، وغالباً ما أجد نفسي أعمل في فضائها.

شارلوت كوتون:

يقوم عالم البرمجيات والبيكسل بأتمتة الكثير من الخطوات التي تشكّل، في مجال الأفلام والتصوير الفوتوغرافي التناظري والكيميائي، مسائل قرار ونتائج، وهذا أحد المخاطر المحتملة التي تشوب صناعة الصور اليوم. فإن عدتِ إلى نهاية القرن العشرين مثلاً، تجدين أنّ معظم المصوّرين الفوتوغرافيين، ولا سيّما المصوّرين المستقلّين والمحترفين، كانوا ما زالوا يستعلمون فيلم الكاميرات لالتقاط الصور ويتّخذون قرارات بناء على عدد محدود من مجالات التعرّض ولا يستطيعون التدقيق فيها قبل تظهير الفيلم. مع أنّك فنّانة تجمعين بين الأفكار التناظرية والرقمية والعمليات وإنتاج الصور الفوتوغرافية، أودّ أن أعرف إن كنتِ تعتبرين أنّ العمليات الرقمية تفرض المزيد من القيود أو تمنح حرّيات أكبر.

فاليري غرين:

مجالات التصوير الفوتوغرافي التي تتيحها لنا العمليات الرقمية ثورية. فالسرعة التي يمكن فيها التقاط الصور الرقمية ومعالجتها ونشرها مذهلة بالفعل. وكميّة الصور التي تمّ إنتاجها تفوق التصورّ. لكن مع قول ذلك، قد تنطوي المسألة على نوع من فقدان القيمة في هذا الانتشار الكبير للصور الرقمية. فالتصويرالفوتوغرافي بات في كلّ مكان، وكمّية الصور التي يتمّ إنتاجها يومياً ضخمة جداً. يشير بعض البيانات إلى أنّه سيتمّ التقاط ١,٤٤ تريليون صورة في العام ٢٠٢١. وعند التصوير بشكل رقمي، أعتقد أنّه من المهم العثور على طريقة لإبطاء هذه العملية.فأنا أحاول التقاط عدد أكبر من الصور “باستعمال الكاميرا” بغية تفادي الذهنية التي تعتمد على “تعديل الصور في مرحلة ما بعد الإنتاج”. لكن لا مانع لديّ من استعمال فوتوشوب، سواء أكان من أجل تعديل الصور أم التلاعب بها أم إظهارها. ومع أنّ الأتمتة مفيدة، من الضروري جداً أن يعرف المرء كيفية التحكّم بالصور يدوياً. فيعود أصل الكثير من أدوات التصوير الرقمي اليوم إلى تقنيات التصوير الفوتوغرافي التناظرية. وعلى غرار أيّ أداة، يمكن استعمالها بحسب ما صمّمت للقيام به، أو يمكن التلاعب بها بطرق توسّع الحدود. وهذا هو الاندفاع التجريبي، ويمكن أن يظهر في الغرفة المظلمة أو على الشاشة على حدّ سواء.

تحميل ملف الـPDF