عمّار القمَش:
حدّثنا عن بدايتك في التصوير، وكيف بدأت الحركة الفنية في قطر؟
خليفة العبيدلي:
بدأت رحلتي مع التصوير في سن صغيرة حين أخذني والدي إلى متجر لاري للإلكترونيات في سوق واقف لشراء كاميرا كوداك ١١٠ بعد نجاحي باختبارات الصف الخامس من المرحلة الابتدائية. واصلت التصوير حتى الثانوية بشكل هاوٍ، إلى أن التحقت بجامعة قطر لدراسة علم الأحياء البحرية. وهناك، التقيت بمصورالجامعة مصطفى عميره وانطلقت رحلتي في التصوير. بدأت هذه الرحلة بمروري أمام ملصق إعلان لورشة تصوير فوتوغرافي في مبنى الأنشطة الطلابية في الجامعة، فشاركت فيها وضمن الورشة كان يتوجب عليّ زيارة غرفة تحميض الأفلام وتعلّم تحميض أفلام التصوير. أتذكر حينها كيف وقعت في حب المكان من الوهلة الأولى فقد كانت تبهرني فكرة التواجد في هذه الغرفة المظلمة التي تنتَج فيها كلّ صور فعاليات جامعة قطر، ووجدت نفسي مستمتعًا برائحة مواد التحميض الكيميائية والإضاءة الخافتة والهدوء الذي يعمّ المكان. وعقب تلك الدورة، تطوّعت للعمل في غرفة التحميض كمساعد لمصور الجامعة مصطفى عميره على أن يعلّمني تطويرالأفلام وأساسيات التصوير، فتعلّمت الكثير من هذه التجربة الفريدة التي قادتني لامتهان التصوير. ذات يوم، صدف أن احتاجت الجامعة المصور مصطفى عميره ليغطّي إحدى الفعاليات بينما كان في خضم تحميض بعض الأفلام، فعرضتُ عليه وقتها أن أساعده لإنهاء الأفلام التي بدأ بتحميضها، وحين لم يملك خيارًا آخرًا، قام وضع ثقته فيّ. وُفّقت لتحميض الأفلام المتبقية بنفسي ثم كتبت مذكرة بسيطة أشرح فيها تفاصيل التحميض، وفي اليوم الثاني أثنى المصور على العمل الذي قمت به وقام بشكري ومكافأتي. واصلت عملي معه ومساعدته في خلال أعوامي الدراسية في الجامعة، وقام هو بمشاركة كلّ المعرفة التي يمتلكها عن التصوير وتطويرالأفلام حتى انضمامي للجمعية القطرية للتصوير الضوئي عام ١٩٨٨ . كانت هذه بمثابة المرحلة الثانية في رحلتي، فقد كان التعليم مختلفًا في الجمعية التي ضمّت حينها نخبة من المصوّرين القطريين مثل أحمد الخليفي، عبدالرحمن عبيدان، حسين الجابر، محمد المناعي، وغيرهم. كنّا نلتقي في جلسات أسبوعية يعرض فيها مصوران مختلفان مجموعة من أعمالهما لنتشارك المعرفة والآراء. التقيت بعدها بالشيخ سعود آل ثاني الذي يُعدّ، برأيي، أحد مؤسسي الحركة الفنية في قطر بشكلها الحالي، وكان هذا اللقاء نقلة كبيرة لي في عالم التصوير والفن، حيث سمحت لي مرافقته أن أقابل أفضل المصورين العالميين وقتها والانتهاء من خبراتهم ومعرفتهم من خلال لقاءاتنا و رحلاتنا المشتركة.
عمّار القمَش:
حدّثانا عن التصوير في قطر في خلال تلك الفترة؟
خليفة العبيدلي:
كان عدد المصورين حينها قليل جدًا في قطر، فقد كان يضم مجتمع المصورين مجموعة صغيرة من الفنانين كلٌ يتمتع بأسلوبه الخاص إلى حدّ أنّ أي شخص كان قادرًا على التفريق بين أعمال المصورين لمجرد رؤيتها مرة واحدة. ومن إحدى مميزات صغر هذه المجموعة هو التداول السريع للمعرفة والخبرات بين أفراد المجموعة. عملت خلال تلك الفترة تحت قيادة الشيخ سعود آل ثاني رحمه الله، أحد أكبر الداعمين لمختلف الحركات الفنية في قطر، في المجلس الوطني للثقافة والفنون والذي يعد بمثابة وزارة الثقافة والفنون في وقتنا الحاضر، وبحكم عملي في المجلس الوطني للثقافة والفنون، قمت بمساندة المصورين المحليين وتخصيص دعم أكبر للمصورين لإقامة معارض فنية، وقمنا بتأسيس مسابقة تُعنى بالتصوير بالتزامن مع مهرجان الدوحة الثقافي الذي يعتبره الكثيرين سابقًا لزمانه.
الشيخة سارة آل ثاني:
أتذكّر هذه الفترة التي يتحدث عنها الأستاذ خليفة العبيدلي رغم صغر سني حينها. على الرغم من حجم طموحات مهرجان الدوحة الثقافي وأهدافه الكبيرة، كان والدي يتلقّى اللوم والانتقاد من المجتمع على إقامة بعض هذه الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية السابقة لأوانها. حينها لم يتقبّل المجتمع أي حدث أو نشاط جديد وخارج عن المألوف، حتى أنّ البعض وصف فعاليات المهرجان بالدخيلة على عاداتنا وتقاليدنا. لكن ثقة سمو الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني ودعمه كانا السبب الوحيد لاستمرار المهرجان رغم الاعتراضات، ممّا شكل نقلة في الساحة الثقافية القطرية.
خليفة العبيدلي:
كان الجميع في الدول المجاورة مندهشاً من جودة مهرجان الدوحة الثقافي والشهرة التي بناها، حتى وصفه بعض النقاد الرائدين بالمهرجان الخيالي. وكانت الدوحة في خلال أيام المهرجان تزدان بمعارض وفعاليات ثقافية متنوّعة في جميع أنحاء المدينة. وقد شاركت في المهرجان بمختلف نسخها أسماء فنية كبيرة مثل مغني الأوبرا الإيطالي الشهير الراحل بافاروتي، والفنانة الكبيرة فيروز، وليون ريتشي، وفرقة فاير أناضوليا، وأوبرا عايدة الشهيرة، بالإضافة إلى الكثير من كبار الشخصيات والفرق الفنية العالمية. يمثّل هذا المهرجان انعاكسًا للطموحات الكبيرة لدولة قطر وللقائمين عليه، وعلى رأسهم المرحوم الشيخ سعود آل ثاني. كان التأثير الثقافي لهذا المهرجان على سكان قطر كبيرًا بفضل نجاحه، فمن خلاله أصبح للثقافة ومظاهر الحركة الفنية في قطر مفهوماً أوضح وتقبّلاً أوسع. باختصار، أتى هذا المهرجان كمؤثّر إيجابي على المجتمع وازداد بعده تقبل المجتمع للفن والحركات الثقافية المختلفة.
لطالما كان الشيخ سعود حريصاً على دعم الفنانين بشكل عام والمصورين تحديدًا. قمنا تحت رعايته بتنظيم مسابقة يومية للمصورين في قطر لتصوير مهرجان الدوحة الثقافي، يتنافس فيها أغلب المصورين في قطر لتقديم أفضل الصور للمهرجان وربح جوائز يومية. كانت هذه المسابقة من المبادرات التي يشكر عليها الشيخ سعود حيث ساهمت في تعزيز فرص المصورين المحليين في قطر وإعطائهم دافعًا معنويًا وماديًا كبيرًا. بعيدًا عن المهرجان قام الشيخ سعود ذات يوم بدعوة سمو الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله إلى الجمعية القطرية للتصوير الضوئي، قام سمو الأمير الوالد حينها بزيادة الدعم الممنوح للجمعية وإعطائها صلاحيات أكبر، فكان ذلك بمثابة اعتراف بالمواهب المحلية وحافز للعديد من المصورين في ذلك الوقت.
عمّار القمَش:
حدثانا عن تأسيس مسابقة الشيخ سعود آل ثاني وكيف بدأت؟ الشيخة سارة: بدأت المسابقة بهدف دعم المصورين المحليين في قطر، وكانت إحدى مبادرات والدي الشيخ سعود آل ثاني للنهوض بالتصوير الفوتوغرافي في قطر ودعم المواهب المحلية وإيجاد مساحة خاصة لتطوير المجتمع الفني في قطر.
خليفة العبيدلي:
نشأت فكرة المسابقة في العام ١٩٩٨ حين قام الشيخ سعود وقتها بطلب اقتراحاتي لطرق يستطيع من خلالها دعم المصورين في قطر. كانت إحدى هذه الاقتراحات إقامة مسابقة تصوير سنوية وتخصيص جوائز مادية سخية للفائزين. كان اقتراحي الشخصي تخصيص مبالغ مالية فقط، ولكن اقترح الشيخ برؤيته الفذه التعاون مع شركة الكاميرات الألمانية الشهيرة لايكا لعمل نسخ خاصة من كاميراتهم الشهيرة وتخصيصها للفائز بالمركز الأول في نسخ كل عام على أن يحصل بقية الفائزين على جوائز مالية سخية. وافقت شركة لايكا بالفعل على عمل خمس عشرة نسخة خاصة من كاميراتها الشهيرة تحمل توقيع المرحوم الشيخ سعود آل ثاني. كانت رؤية المسابقة أن تكون حصرية للمصورين في قطر فحسب في أول خمس سنوات، على أن يُفتح المجال للمصورين في الخليج العربي للمشاركة في السنوات الخمسة التالية، وفي السنوات الخمسة الأخيرة يسمح لجميع المصورين حول العالم المشاركة فيها. ترأستُ المسابقة في أول خمس سنوات لها، وكانت مواضيع المسابقة تدور حول التراث المحلي، مثل الأزياء التقليدية والحلي، والطبيعة القطرية وغيرها. وكنا نعمل بالتناغم مع المسابقة على ابتكار أرشيف ثري لدولة قطر مقتبس من الصور المشاركة. بعد أول خمس سنوات، اعتذرتُ عن الاستمرار في إدارة المسابقة واقترحت تحويل المسابقة تحت الجمعية القطرية للتصوير الضوئي.
الشيخة سارة آل ثاني:
ربما فقدت المسابقة جزءًا من قيمتها الخاصة مع التغيرات المستحدثة حينها مثل زيادة عدد الفائزين، ولكن بالرغم من ذلك حافظت المسابقة على سمعتها الدولية وإرثها، واستمرّ المصورين حول العالم بالمشاركة فيها.