None
مقابلة

أما بَعد: هدير عمر

أجرت مريم حسن آل ثاني مقابلة مع هدير عمر بالتزامن مع معرض تصوير٢٠٢١ أما بَعد.

المشاركة مع صديق

مريم حسن آل ثاني:

أخبرينا عن عملك في مجال التصوير الفوتوغرافي وصناعة الصور. كيف وصلت إلى ما أنتِ عليه اليوم وما هي الطريقة التي تستعملين فيها الصور في عملك؟

هدير عمر:

تخرّجت بشهادة تصميم رسوم (غرافيك ديزاين)، وهذا يعني أنّني حُكماً كنت أعمل باستخدام الصور وبابتكار الصور باستعمال التصوير الفوتوغرافي. فكانت هذه الطريقة التي تسمح لي بالتواصل بسهولة، أي من خلال استعمال الصور. وأعتقد أنّه لعملي في التصوير الفوتوغرافي، حثّنا القسم الذي كنت أدرس فيه في الكلّية على استخدام الكاميرا للمراقبة وللرؤية إلى أبعد ممّا ننظر إليه، أي أن “نرى” لا أن “نشاهد”. وكان التصوير الفوتوغرافي طريقةً للتركيب والتأطير، وساعدتني الكاميرا في البداية على القيام بذلك. فأنا أميل إلى النسيان والكاميرا تساعدني على التذكّر أنّني تواجدت في تلك المواقع. وهكذا أربط النقاط في حياتي أو في حياة الناس. والتصوير طريقة جميلة لكسر الجليد أيضاً. فهو الوسيلة بالنسبة إليّ لأبدأ بحديث مع الناس. فمن دون كاميرا، لا يمكننا بكلّ بساطة الاقتراب من الناس وإلقاء التحية والتعريف عن نفسنا. لكن الكاميرا تمنحني الثقة وتعطيني هذا الحافز. وهذه هي بعض الأسباب التي تدفعني للتصوير وتؤثّر في الطريقة التي أصوّر بها. أما في ما يتعلّق بالصور المتحّركة، فهذا هو الوقت الذي تصبح فيه الأمور ممتعة أكثر لي لأنّني أضيف عامل الوقت والمدّة.

وفي ما يخصّ اهتماماتي والطريقة التي ساعدتني فيها على تطوير عملي، فقد اهتممت ببعض المواضيع والمجالات، على غرار تاريخي وميراثي مثلاً. فقد بدأت في التعمّق في هويّتي وقسّمتها إلى عدّة أجزاء، مثل أنّني فتاة وأنني أعيش في منطقة معيّنة وبدأت أسافر وأتعرّف إلى نفسي. لقد ترعرعت في مصر والآن أنا في قطر التي أثّرت أيضاً في شخصيّتي. وأتحمّس كثيراً بشأن الثقافات عموماً وأربطها بمسألة الهوية وإنشاء ثقافتنا الخاصة وكيف يمكننا فهم الثقافات الأخرى وتفكيك رموزها. والنسوية عنصر آخر، بطريقة غير بارزة. وبصفتي صانعة صور، أواجه التوقّعات بأنّني سأصنع “أموراً جميلة”. وكان عليّ البحث عمّا أريد إنتاجه بالضبط، ليس لي فحسب بل لجمهور ما أيضاً. وأدّى بي هذا الأمر إلى العمل على النواحي التصوّرية، مثل المواضيع والتقنيات واللغة البصرية التي تهمّني. وجرّبت الكثير من الأمور، كالمناظر الطبيعية والوجوه وتصوير الشوارع والتجربة والعمل التصوّري. فأنا أهتمّ بكلّ هذه المفاهيم واستعنت بها لتطوير عملي في التصوير الفوتوغرافي والأفلام. ومؤخّراً أكثر، بدأت تجذبني التجارب الغامرة، وأردت أن أصمّم تجاربي الغامرة الخاصّة بي التي تترجم الصور بطرق مختلفة. فبدأت أجمع بين الأفلام والتصوير الفوتوغرافي والواقع الافتراضي والواقع المعزّز ورسم الخرائط وكلّ ما استطعت فعله لتحويل الفكرة التي تحثّني على العمل. فإن احتاجت الفكرة إلى صورة، ألتقط صورة، لكنّني أراقب عادة الحياة من حولي من خلال الصور.

مريم حسن آل ثاني:

في سياق العصر الرقمي الذي نعيش فيه، كيف تختارين ما ترغبين في استكشافه وكيف تختارين شكل الصور؟ وكيف يجري هذا الأمر في عمل ابتكار التجارب الغامرة التي تبتكرينها؟

هدير عمر:

بدأ الكثيرون بالانتقال إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنصّات الرقمية والمجال الافتراضي لعرض أعمالهم، ولا سيّما في خضمّ الجائحة الراهنة. لكنّني كنت أعمل على هذه المنصّات منذ زمن، وبالنسبة إليّ، ليس من الضروري أن تتمّ استضافة أعمالي في معرض فقط لكي تصبح موجودة أو معروفة، بل أشعر بأنّ المرء قادر على القيام بكلّ هذه الأمور، فقد فتحت حساباً مؤخراً على تطبيق تيكتوك وفكّرت في ما يفعله هذا التطبيق بعملي ولعملي، أي تعلّم الاختلاف في طريقة الإنتاج بين تيكتوك وإنستغرام. فهو يقدّم مجموعة مختلفة جدّاً من الإمكانات مقارنة بإنتاج عمل لمعرض أو تحضير مشروع للطلاب في صفّ دراسة. ويتمحور الأمر فعلاً حول اختيار النسق المناسب أو تغيير الطريقة التي يتمّ فيها إيصال الرسالة أو الحكاية. وبالنسبة إليّ، حتّ لو كنت أنشر على تطبيق إنستغرام، فالأمر مختلف عن نشر حكاية إنستغرام (ستوري)، وهو يختلف تمام الاختلاف عمّا يمكن القيام به مباشر على تلفزيون إنستغرام (IGTV) وأخذت على عاتقي إنتاج أمر كلّ يوم. ببثّ لأنشره على وسائل التواصل الاجتماعي وابتكار المحتوى، فيلفتني أمر ما أحياناً فأعمد على الاستكشاف أكثر فأكثر لابتكار مشروع أكبر لمعرض ما. وكان معرضي في مطافئ الدوحة المزيج الذي ابتكرته لكلّ المحتوى الذي صنعته على مرّ السنوات والذي رأيت أنّ فيه تشابهاً في الشكل والإحساس والذي كان شخصياً جدّاً بالنسبة إليّ، فضلاً عن لقطاتي الخاصّة في بعض الأوقات المحدّدة. ويمكنني إعادة تدوير كلّ هذا المحتوى لاحقاً لأجل مشروع آخر يتحدّث عن أمر مختلف تماماً. فأنا أبتكر المحتوى باستمرار وأضيفه إلى مجموعتي دائماً. وفي الوقت الذي أبتكر فيه المحتوى أبدأ بالتنسيق تبعاً لما يحدث من حولي. فلا أتفاعل مع الأمور في لحظتها باستمرار. ويساعدني هذا الأمرعلى عدم الجمود عندما يتمّ اقتراح عرض جديد أو معرض جديد لأنّني أستطيع النظر إلى الماضي وأفكّر في الخواطر والمحتوى الذي ابتكرته على مرّ الوقت.

مريم حسن آل ثاني:

لقد تطرّقتِ إلى أمر ملفت للغاية، ألا وهو عنصر الوقت. فأنت تستعملين الوقت بطريقة مختلفة للغاية. وهذا يوصلنا إلى عملك “التراث بعدسة معاصرة: أما بَعد...” وعناصر الوقت في صناعة الصور ومعنى إضافة الوقت الحديث والمباشر إلى موقع تاريخي على غرار قلعة الكوت، وهي موقع تراثي يتحلّ بتاريخ عريق. كيف يؤثّر عنصر الوقت في أعمالك في أمر ما مثل موقع يتحّلى بمعادلته الزمنية الخاصة به؟

هدير عمر:

قلعة الكوت مميزة جدّاً، وفي الوقت عينه، يمكننا كلنا أن نربط فكرنا ذهنياً بحكايات شائعة يتشاركها هذا الموقع معنا. فهو موقع تاريخي له الكثير من القصص التي يمكن تقسيمها إلى عناصر وأشخاص وزمان وفضاء، ويمكن أن نربطها بشدّة بأفكارنا. فأبدأ بتجربتي الخاصة عن موقع أراه للمرّة الأولى. فما ردّ فعلي إزاء هذا المكان؟ وكيف أتفاعل مع الزمن الذي يجسّده؟ وكيف أتفاعل مع هذه التجربة التي أبتكرها؟ فما إن أفصّل هذه العناصر، أبتكر خريطة معلومات ذهنيةً للناس الذين باتوا يتبوّؤون مكاناً في الفضاء وللقصص التي يمكن ربطها ذهنياً، أو أنتهج مساراً مختلفاً للغاية وأبتكر معنى جديداً عبر الجمع بين العناصر. ويصبح الفنّ بشكل أساسي في ردّ الفعل إزاء قلعة الكوت وليس مجرّد النظر إلى تاريخها. ويشكّل تحليل المعلومات التي يمكن جمعها والاستجابة لها من أهمّ الآليات لدى الفنان. فللفضاء حكايته الخاصة، وما نقدّمه هو إحياء للفضاء وتعريف به في الوقت عينه للجمهور.

فللفضاء حكايته الخاصة، وما نقدّمه هو إحياء للفضاء وتعريف به في الوقت عينه للجمهور.

– هدير عمر

مريم حسن آل ثاني:

ما الذي كنتِ تتفاعلين معه بالضبط في فضاء قلعة الكوت وما الذي كنت تفكرّين فيه؟ فما هو الذي برز إلى ناظريك كفنانة في هذا الفضاء؟

هدير عمر:

رأيت صورة قديمة لقلعة الكوت في متحف الشيخ فيصل تُب يّ وضعية القلعة تاريخياً. واتّضح لي أنّ القلعة تقع في قلب سوق واقف، التي هي مركز التجارة وملتقى الناس. وبدا منطقياً لي أن تكون في وسط هذا الفضاء، فلدى كلّ منا تلك الجدران البيضاء التي يمكنها سرد قصّة الفضاء، وليس فقط الجزء التاريخي بل آراءنا حيال الأمور أيضاً. لذا نأمل أن يجرّك العمل إلى هذه الفقّاعة المفعمة بالروائح والأصوات الحادّة وإلى أيّ تجربة تختبرها في السوق. ولأن القلعة في الوسط، من المنطقي أن تبتكر ببساطة هذا “القلب” الصغير مع كلّ هذه التجارب حولك.

مريم حسن آل ثاني:

هل في عملك أمر محدّد تتحمّسين لاستكشافه ولا يمكنه أن يحدث فعلاً إلّا في قلعة الكوت ولن يسعك القيام في فضاء آخر من ناحية عملك في صناعة الصور؟

هدير عمر:

تتميّ قلعة الكوت بهندستها المعمارية الجميلة، مع أشكال وتصاميم فضائية مختلفة. ولا داعي للكثير من الإضافات، فالحدّ الأدنى وحده يمكن أن يصبح تجربة رائعة من دون التقليل من جمال الكوت. ومن شأن التجربة أن تكون قوية للغاية عندما يتعاون الفضاء وحركته معاً، على غرار فتاة مرتدية عباية تسير ذهاباً وإياباً ضمن شكل القلعة فتصبح حواراً على الفور.

مريم حسن آل ثاني:

من ناحية شكل المعرض، تقومين بإنشاء مراحل في التجربة، أي “الانتقال” و”الرحلة” و”التحوّل”. كيف وصلتِ إلى هذا المفهوم؟ إنه غامر حقّاً، وهو كأنّك تنقلينني إلى عالم مختلف، على مراحل. ماذا الذي يقوله هذا العالم عن العمل الذي تحاولين إنتاجه؟

هدير عمر:

عندما كنا نجوجل الأفكار لهذا المشروع، كنّا مهتمّين بإنتاج عدّة تجارب. فالموقع ضخم للغاية، ويا ليتني أقدر على تنشيط كل شبر منه لكنّني لا أقدر. وكان الأمر الوحيد الذي أهتمّ له هو الحصول على هذه التجارب الفردية المنفصلة، لكنّها في الوقت عينه مرتبطة بقصّة أكبر. فلكلّ غرفة ندخلها توجّهها الخاص وتتّسم بأمر محدّد. فتركّز إحدى الغرف بشكلٍ كبير على الصقور وأصواتها، وعند الدخول إلى غرفة أخرى، لا يزال بالإمكان سماع أصوات طيور لكنّها مقارنة غير واضحة المعالم. وتحاول كلّ غرفة تسليط الضوء على عنصر محدّد، وهي، من البداية إلى النهاية، مبنيّة لزيادة الفضول وللاستمتاع بكلّ ما يرتبط بالفضاء والتجربة الغامرة ككلّ. فليس الجمهور متلقّياً فحسب، بل مشاركاً في إحياء القلعة. فنحن نحترم الموقع ونعدّل التجربة لتشكّل أفضل مكمّل له في الوقت الذي نقضيه هناك.

مريم حسن آل ثاني:

من تجارب الجائحة الشائعة أن يشعر المرء بأنّه عالق أو محتجز ولا يعيش تجارب جديدة. كيف أثّر الإغلاق وقيود الحجر المنزلي فيكِ؟ وكفنّانة، كيف نلتِ الوحي في قطر؟ وهل غيّر طريقة عملك؟

هدير عمر:

أنتجْت الكثير من الأعمال هذه السنة، وأعتقد أنّ السبب الأساسي لذلك هو أنّه كان لديّ الكثير من الوقت. وقد استوحيت من أمور عشوائية، ولا حاجة لي إلى السفر أو الخروج من منطقة الراحة التي أعيش فيها. طبعاً من الرائع لو تسنّى لي السفر لكنّني أستوحي من نشاطاتي اليومية، حتّ لو كان ذلك مجرّد التوجّه إلى المول أو السوق. والسوق من أروع الأماكن بالنسبة إليّ، فكلّما ذهبت إلى هناك حاملة كاميرتي، أعود دائماً مع كمّ ملفت من المحتوى. فدائماً ما أجد فيه أموراً أنظر إليها حتّ لو كان مجرّد شخص يطهو الطعام أو سيّدات يتزيّنّ بالحنّة أو نساء يعاينّ الأقمشة ويشترينها، دائماً ما أجد في السوق قصّة أريد توثيقها. وفي خلال فترة الإغلاق، بدأت أعرض على مبنى جاري لأنّه ما من مكان آخر أستطيع أن أعرض صوري. وقضيت الكثير من الوقت على الإنترنت أنشئ العلاقات وألتقي بالكثير من الفنّانين من المملكة العربية السعودية ومصر ولندن. فكان أشخاص مذهلون يلتقون من أرجاء العالم، ولم أعتقد أنّ الفرصة ستتسنّ لي للتعرّف إليهم ولإبراز إبداعاتنا معاً. وكان ذلك أمراً إيجابياً للغاية قدّمه لي الإغلاق لأنّ الناس لم يعودوا منهمكين كما في السابق. وجعلني الإغلاق أستكشف قطر أيضاً من زاوية مختلفة تماماً وأعتقد أنّ هذا الأمر حدث للكثيرين. فقد أصبح الكلّ مبدعاً مع أفكار لقضاء عطلة في البلد نفسه. وأتذكّر أن نّ قضيت وقتاً أنظر إلى النجوم مع أصدقائي، وهذا أمر قمت به كثيراً في مصر لكنّني لم أقم به قبلاً هنا في قطر.

تحميل ملف الـPDF