None
مقابلة

تصوير فوتوغرافي تجريبي: براندون لاتو

أجرت شارلوت كوتون مقابلة مع براندون لاتو بالتزامن مع معرض تصوير ٢٠٢١ تصوير فوتوغرافي تجريبي.

المشاركة مع صديق

شارلوت كوتون:

يتميّز عملك الفنّي بأوجهه المتعدّدة التي تتنقل فيها على المستوى المادّي بين المجالَين النحتي والتصويري وبين الأشكال التي تتأرجح بين المساحات والأحجام، أي صورة ثنائية الأبعاد وغرض ثلاثي الأبعاد، والتي تترابط في ما بينها أشدّ ترابط. وتصف تحقيقاتك الفنّية كابتعاد عن الفكرة التقليدية للتصوير الفوتوغرافي باعتباره رؤية أحادية العين يمكنك فيها رسم خطّ مباشر من عين المصوّر عبر الكاميرا وصولاً إلى الموضوع المختار. عوضاً عن ذلك، لأعمالك الفنّية وجهة نظر “متعددة الاتّجاهات”، وغالباً ما تتّسم بتأثير أو شكل نحتي. أعمالك تحرّر التصوير الفوتوغرافي من محاكاة البصر البشري وتشجّعنا على اعتماد طريقة مختلفة للرؤية. ما تعليقك على هذا الأمر ولماذا تعتقد أنّ هذا الأمر بارز دائماً في أعمالك؟

براندون لاتو:

الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية لأنّ افتراض التصوير الفوتوغرافي أو تعريفه بحدّ ذاته واسع النطاق إلى حدّ بعيد الآن: فهل هو اسم للتوزيع العالمي للصور أم للمجال كما تتمّ ممارسته مع انعكاس ثقافي أم للنشاط الذي يمارسه أكثرية الناس عبر هاتفهم يومياً؟ أعتقد أنّ اقتراحي للنوعية المتعدّدة الاتجاهات تعالج كلّ ناحية من هذه النواحي، لكن لعلّه من الأفضل المحافظة على الاستخدام مع الانعكاس الثقافي الواعي، أي الفنّ.

شارلوت كوتون:

أطلقُ على الأغراض الظاهرة في أعمالك المعروضة ضمن معرض "التصوير التجريبي " (Experimental Photography) صفةَ "الظاهرية". ففي مجموعة “ريتز أند بريميوم" (Ritz and Premium) ومجموعة "إتسيت أند إتسيت"(It’s-It and It’s-It)، تعتمد على تغليف الأطعمة، وفي مجموعة "فوتوشوب أند فوتوشوب"(Photoshop and Photoshop) تعتمد على تغليف برنامج أدوبي فوتوشوب، الذي هو ربما وسيط صنع الصور المرجعي في هذا القرن حتّ الآن. تروقني جداً المقارنة المباشرة التي تتّسم بها هذه الأعمال الثلاثة في المجال المادّي ذاته، أي الفكرة في أنّ برمجيات الصور والوجبات الخفيفة بضاعة أساسية متاحة للجميع وجزء من الحياة اليومية، وهي تكسب ميزة بفضل علامة تصميم الغلاف وتكسب شكلاً بفضل حجم العلبة التي نعرف من التجارب التي مررنا بها عند فتح هذه العلب بأنها مليئة بالفراغ في داخلها! هل يمكنك أن تضيف شيئاً على ما تعنيه هذه الأغراض “الظاهرية” لك؟

براندون لاتو:

أعتقد أنّها خيالات أو أطياف لنظام التبادل الذي يحيط بها. فحماسي للمستوعب منفصل بالكامل عن المنتج الفعلي الذي يتمّ شراؤه. وأنا أكيد أنّني لست الوحيد الذي اشترى أموراً بسبب الجمالية البصرية الجذابة التي تحيط بها فحسب. لكن ربّما هذا غامض جداً. فالكلمتان اللتان تؤلّفان اسم مجموعة "ريتزأند بريميوم" (Ritz and Premium) هما اسمان تفضيليان ويشيران إلى أفضل الأمور، حتّ لو وصلتنا على بسكويتة متواضعة، أليس كذلك؟ وتشير "إتسيت أند إتسيت"(It’s-It and It’s-It) إلى المواد اللزجة وعدم اليقين والسائل الأولي، لتشكّل التركيبة الأنسب للمثلّجات التي تقطر نزولاً على ذقن الجميع والشوكولا المنتشر على ذراعهم. لم يتمكّنوا من ابتكار اسم لهذا المنتج بعد! مع ذلك، عبواتها هي واحدة من أجمل الاختيارات التي يمكن أن ينتقيها المرء من بين الأغراض التي تقدمّها السوبرماركت العادية في الولايات المتحدّة والتي يقارب عددها الأربعين ألفاً. التقطُ صورعبوات المنتجات هذه منذ العام ٢٠٠١ وكلّها تقريباً كانت منتجات قابلة للاستهلاك. يشبه الأمر التفسير لطفل ما أنّ الموسيقى كانت تباع على أقراص وأنّ الصور الفوتوغرافية كانت تُلتقط على فيلم لكنّها كانت مقلوبة. ولهو غاية في الغرابة أن نتصوّر أنّ البرمجيات، وهي المنتج الأبرز لما يُعرف باقتصاد المعلومات، بحاجة إلى حضور مادي ليدفع مقابلها المستهلكُ المال ليحصل عليها. في الواقع، بعد فترة قصيرة من صدور هذه النسخ، انتقل تطبيق فوتوشوب إلى التوزيع الرقمي بالكامل.

سأقول أمراً عن المقارنة العامة بين الفنّ والحوسبة وهو أنّ الدأب هو القاسم المشترك الأكبر بينهما، فالحصول على مرادنا منذ المحاولة الأولى هو الاستثناء وليس القاعدة.

– براندون لاتو

شارلوت كوتون:

أنت فنّان يتخطّى العمليات التناظرية والرقمية، وأظنّ أنّك تفكّر مطوّلاً في الشكل الذي ينبغي على فكرة ما أن تتّسم به. أنت “ثنائي اللغة” بشكل غير اعتيادي! هل تمنحك الوسائل الرقمية الحرّيات والاختبارات ذاتها التي تمنحها قراراتك التناظرية؟

براندون لاتو:

أكتب ما أكتبه إليك وأنا في لوس أنجلوس وأنتِ في الدوحة من خلال سحر يشبه التجريد من المادة الذي يطال التصوير الفوتوغرافي مع التأثيرات. (عبرهذا الفاصل الكبير، يمكننا تبادل الصور والأفكار والأحاسيس رقمياً، لكن هذا الدفق المجرّد من المادة لم يقضِ على الفصل بين الناس أو حتّ بين الدول). كانت لدي قدرة الوصول إلى الكمبيوترات منذ صغري، فقد درست والدتي لغة “كوبول”(COBOL) ، وهي لغة برمجة قديمة ظهرت في السبعينيات، واشترت عائلتي جهاز كمبيوتر في الثمانينيات، وأقبلتُ عليه بإسراف. فلم أعانِ التردّد الذي واجهه بعض أقراني في استعمال الأدوات الرقمية. وسأقول أمراً عن المقارنة العامة بين الفنّ والحوسبة وهو أنّ الدأب هو القاسم المشترك الأكبر بينهما، فالحصول على مرادنا منذ المحاولة الأولى هو الاستثناء وليس القاعدة. وبصراحة، أواجه هذه المسألة في عملي كأستاذ أيضاً. فغالباً ما يريد التلاميذ أن يتعلّموا عن النواحي الصناعية للأدوات الرقمية بينما أريدهم أن يركّزوا على أفكارهم الخاصة. لكن مثلما في وسع المرء القول إنّ العدسات أصبحت أكثر تطوراً في خدمة التصوير الفوتوغرافي العسكري، يمكننا الإقرار برأيي أنّه تم تطوير الأدوات الرقمية انطلاقاً من حاجات تتماشى أكثرمع الشركات والكيانات الكبرى الأخرى عوضاً عن الأفراد. لكن في عودة إلى الأتمتة الرقمية، لست أكيداً إن كانت تقضي على العلاقة الفعلية بموضوع التصوير أو المواد. فلنأخذ الأفلام مثلاً. إذا نظرنا إلى أفلام سينما الواقع أو الواقعية الجديدة وإن اعتبرنا أنّ أيّ هاتف قادر على تصوير الأحداث بالنوعية ذاتها التي تصورها الأدوات المتاحة لهؤلاء الفنانين أو ربما بنوعية أفضل، لكنّ القليل منهم يحاول ذلك حتّ. أو لنأخذ وارهول مثلاً! يعجبني كثيراً أنّ وارهول حاول اللجوء إلى الطريقة السهلة، من الناحيتَين الفوتوغرافية والتقنية. لقد سمح عمله بوقوع الواقعة في ما يتعلّق بالمواد، وأعتقد أنّ هذه قدرة الوقوع هذه متاحة بالقدر ذاته الآن. لكن ما أراه هو تضاؤل في عدد الأشخاص المهتمّين بالخروج عن الاستعمالات المحدّدة للأدوات وتطبيع للأعمال الفنّية التي قد لا تظهر بشكل ملموس حتّ. ويصبح الكثيرون مدركين لانعكاس الموضوع الفعلي والتمثيل الوسيط الآن في فترة الحجر المنزلي، لكن ما يجري يتسبّب فعلاً بتسارع التحوّل الثقافي الذي ننخرط ونشارك فيه جميعنا.

شارلوت كوتون:

كيف تصف تأثير بيئة الصور المعاصرة في الخيارات التي تعتمدها لعملك أو في المشاهدين الذين تتوقّعين أن يروه؟ أعتقد أنّني أسألك عمّا تريدنا أن نتنبّه إليه.

براندون لاتو:

أفكّر الآن في كتاب لوسي ليبارد بعنوان "Six Years: The Dematerialization of the Art Object from 1966-1972" (ست سنوات: التجريد المادي للموضوع الفنّ من العام ١٩٦٦ إلى العام ١٩٧٢) وفي الطريقة التي تسرد فيها الميول للتحلّ بتطوّر عالمي واجتماعي وكيفية ارتباط ذلك بفكرة الماهية التي يمكن أن يتّسم بها العمل الفنّ. أعتقد أنّ الناس أطلقوا على هذا الأمر فنّاً تصورياً، لكنّه يتمحور فعلاً حول فكرةٍ تأتي من كلّ الأماكن في الوقت عينه. أعتقد أنّ أمراً مشابهاً يحدث الآن مجدداً: تغيير اجتماعي يمكن ملاحظته في التوقّعات والانطباعات المتغيّة إزاء الأعمال الفنّية.

تحميل ملف الـPDF